نتباهى في قسم الرياضيات بـ ” مشرفة ” وتلاميذه العباقرة الذين قاموا بتدريس الرياضيات لنا
المقررات البريطانية والمصححين الإنجليز وإرسال البعثات العلمية لإنجلترا جعل قسم الرياضيات بالجامعة المصرية عملاقا منذ تأسيسه
خريج الثانوية العامة في الستينيات كان ” طالب متين جدا ” ومؤهل للتفوق في أى تخصص علمي
لدينا نجوم مبشرة بالخير من الأجيال الحالية بقسم الرياضيات في علوم القاهرة
كليتا العلوم والآداب هما جناحا الفكر في الأمم المتقدمة
فضلت العلوم على الطب والصيدلة وأساتذة الستينيات كانوا سببا في تخصصي في الرياضيات
العزوف عن دراسة الرياضيات مشكلة عالمية
جهد مشكور لجمعية الرياضيات المصرية واطالبها بتخفيض رسوم النشر وزيادة الأنشطة العلمية
أجرى الحوار: محمد السويدي بمشاركة أ.د زينب منصور
قال العالم الموسوعي وأستاذ الرياضيات المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة، ” الدكتور أحمد فؤاد غالب “، إن قسم الرياضيات بالكلية منذ إنشائه عام 1925، كأحد الأقسام الستة الرئيسية التى قامت عليها كلية العلوم عام 1925 بالجامعة المصرية في مسماها القديم ” القاهرة حاليا “، يعد بمثابة شعلة مضيئة، غمر ضوئها أماكن أخرى كثيرة بأنحاء الجمهورية، ما بين أكاديمية وعلمية وبحثية، ولا يزال القسم حتى الآن، وعلى مدار قرابة مائة عام وهو يحمل شعلة وريادة البحث العلمي والتدريس في مجال الرياضيات بالجامعات المصرية.
الدكتور ” أحمد فؤاد غالب ” المولود في 30 يناير 1944، تطرق إلى إسناد مهمة التدريس في قسمى الرياضيات البحتة والتطبيقية، في بداية تأسيسه عام 1925 إلى علماء وأساتذة من خارج الجامعة المصرية، وكانت مدرسة المعلمين العليا “كلية التربية بجامعة عين شمس حاليا “، هى مصدر إمداد الكلية الوليدة بهؤلاء الأساتذة، نظرا لأن خريجيها كانوا الوحيدون المؤهلين للتدريس، وفي مقدمتهم عالم الرياضيات الأشهر في مصر، الدكتورعلى مصطفى مشرفة باشا ” 11 يوليو 1898 – 16 يناير 1950 “، خريج مدرسة المعلمين العليا، والذي صار فيما بعد عميدا لكلية العلوم في الرابع عشر من مايو عام 1936، وظل في منصبه حتى لقى ربه يوم الاثنين 16 يناير 1950، ويعد الدكتورعلي مصطفى مشرفة ” باشا ” أول عميد مصري لكلية العلوم، بالجامعة المصرية المنشأة عام 1908، والتى تغير اسمها مرتين، الأولى باسم “جامعة الملك فؤاد الأول ” في 23 مايو 1940 ، والمرة الثانية في 28 سبتمبر عام 1953، بتعديل اسمها من جامعة فؤاد الأول إلى جامعة القاهرة.
وتابع ” غالب “، لم تكن مدرسة المعلمين العليا هى المصدر الوحيد لإمداد كلية العلوم عند تأسيسها بالمدرسين والأساتذة، فقد استعانت الكلية في جميع أقسامها ومن بينها قسم الرياضيات، بعلماء وأساتذة أجانب من بريطانيا وجامعات أوروبا، فقسم الرياضيات، على سبيل المثال، استعان بالعالم البريطاني الأشهر في مجال المعادلات التفاضلية ” إدوارد ليندسي إنسي / 30 نوفمبر 1891 – 16 مارس 1941 “، وكان مكلفا بإنشاء قسم رياضيات قوي في الجامعة المصرية، واستمر في منصبه رئيسا للقسم لمدة 6 سنوات وحتى عام 1931، بعدها عاد لبلده إنجلترا بسبب ظروف صحية وأسرية، وله كتاب في المعادلات التفاضلية العادية، صدر عام 1926 ويحمل توقيع منه بأن الكتاب صدر في هليوبوليس ” أى مصر الجديدة “.
يضيف الدكتور أحمد فؤاد غالب: الاستعانة بعالم رياضيات بريطاني بوزن” إدوارد ليندسي إنسي ” لكي يصبح أول رئيس لقسم الرياضيات في كلية العلوم بالجامعة المصرية وتأليفه كتاب يحمل توقيعا منه في هليوبوليس، أعطى ثقل علمي وأكاديمي للكلية الوليدة على المستوى الدولي، لاسيما وأن بعض الأقسام الأخرى مثل الجيولوجيا وعلم النبات وعلم الحيوان” قد سلكت نفس النهج، وانطلق أساتذتها وباحثوها في ربوع مصر لدراسة النباتات والحيوانات والحياة البرية ودراسة الصخور، وامتدت هذه الخطوات إلى السودان الشقيقة، نظرا للوحدة بين مصر والسودان في ذلك الوقت، كما أن قسمي الكيمياء والفيزياء قد تفردوا منذ البداية بدراساتهم وأعمالهم.
يسترجع ” غالب ” حديث الدكتور عادل عطية مشرفة ” أستاذ الرياضيات المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة ونجل شقيق الدكتور على مصطفى مشرفة باشا، عن أسباب جودة الأداء في قسم الرياضيات بعلوم القاهرة منذ نشأته والتى ذكرها ” مشرفة ” في ندوته بمكتب الإسكندرية منذ عدة سنوات، وتتمثل في:
1 / جعل المقررات الدراسية بقسم الرياضيات في كلية العلوم بالجامعة المصرية مطابقة تماما للمقررات الدراسية بجامعة لندن، ولعل وجود مصر تحت الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، كان السبب الرئيسي لتوحيد هذه المناهج أو حتى تقاربها.
2 / اختيار المصححين لنماذج إجابة الطلبة في امتحانات الرياضيات بكلية العلوم في الجامعة المصرية، من الأساتذة العاملين بجامعة لندن، وذلك استكمالا لمبدأ الرقابة على التدريس وضمان نقل المعلومة بشكل صحيح، وفي هذا الصدد كان عالم التحليل الرياضي البريطاني الأشهر بجامعة إدنبرة ” إدموند تايلور ويتاكر/ 24 أكتوبر 1873 – 24 مارس 1956 “، يقوم بمراجعة أوراق الامتحان لطلاب البكالوريوس، وكان ” ويتاكر ” بمثابة شعاع مضئ في عالم الرياضيات والدوال الخاصة على مستوى العالم.
يذكر هنا الدكتور أحمد فؤاد غالب، أن ” إدموند تايلور ويتاكر ” كان مشرفا على رسالة الدكتوراه للدكتور محمد مرسي أحمد، أحد العلامات البارزة في تاريخ الرياضيات في مصر، والذي كان تلميذا للدكتور على مصطفى مشرفة، في الدفعة الأولى التى تخرجت في كلية العلوم بالجامعة المصرية عام 1929، وصار ” مرسي ” فيما بعد عميدا لعلوم القاهرة، ثم وكيلا لجامعة القاهرة، فمديرا لجامعة عين شمس، وبعدها أصبح مديرا لجامعة القاهرة، فرئيسا لاتحاد الجامعات العربية ووزيرا للتعليم العالي، وللدكتور محمد مرسي أحمد، دور كبير في إدخال علم الإحصاء بكلية التجارة ومن بعده إنشاء معهد الإحصاء.
3 / إرسال خريجي القسم في بعثات علمية للحصول على الماجستير والدكتوراه من جامعات انجلترا وفي مقدمتها جامعة لندن، وهى ميزة ومكسب كبيرللجامعة الوليدة ” الجامعة المصرية ” والتى ولدت بهذا النهج عملاقة، تخطو خطوات سريعة، وفي القلب منها كلية العلوم وقسم الرياضيات بها.
يذكر هنا الدكتور أحمد فؤاد غالب، نماذج للدفعات الأولى التى تخرجت بقسم الرياضيات في كلية العلوم بالجامعة المصرية، وسافرت للخارج “، معظمهم إلى انجلترا ” لنيل الماجستير والدكتوراه، وكان قد سبقهم قبل ذلك بسنوات طويلة وقبل تأسيس الكلية، الدكتور على مصطفى مشرفة، والذي حصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة لندن عام 1923، ثم درجة دكتوراه العلوم في الرياضيات ” دى اس سي ” عام 1924 ، تحت إشراف العالم الأسكتلندي الشهير ” تشارلز توماس ويلسون / 14 فبراير 1869 – 15 نوفمبر 1959″، والذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927، وبالتالي أصبح مشرفة باشا أول عالم مصري وعربي يحصل على درجة الدكتوراه ثم درجة ” دى اس سي “
الدكتور محمود الشربيني، خريج الدفعة الثانية عام 1930، تخصص رياضيات وفيزياء، أجرى بحوثه تحت إشراف الدكتور على مصطفى مشرفة وحصل على الدكتوراه من انجلترا عام 1935، تحت إشراف العالم الشهير الحائز على جائز نوبل ” السير أوين ريتشاردسون / 26 أبريل 1879 – 15 فبراير1959 “.
الدكتور أحمد حماد، خريج قسم الرياضيات عام 1934 ورئيس القسم الأسبق لمدة 15 سنة خلال الفترة من عام 1951 وحتى 1966، ورئيس لجنة الطاقة الذرية الأسبق، سافر لنيل درجة الدكتوراه من انجلترا، وكان ” سيدنى تشابمان” الملقب بـ ” أبوالجيوفيزياء / 29 يناير 1888 – 16 يناير 1970 ” مشرفا عليه في الدكتوراه.
الدكتور بسالي وديع عطا لله ، تخرج هو الأخر في قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول ” الجامعة المصرية سابقا وجامعة القاهرة لاحقا ” عام 1941، وقد حصل على درجة الدكتوراه تحت إشراف العالم الشهير شرودنجر ” 12 أغسطس 1887- 4 يناير 1961″، ويعد شرودنجر أحد مؤسسي ميكانيكا الكم وفاز بجائز نوبل في الفيزياء عام 1933.
دفعة 1941 بقسم الرياضيات في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول ” الجامعة المصرية سابقا وجامعة القاهرة لاحقا “، تخرج فيها أيضا الدكتور فهمي إبراهيم ميخائيل ” 1 يناير 1921 – 12 نوفمبر 1998 “، وقد اشتهر وتخصص في تدريس النظرية النسبية بالجامعات المصرية، وحصل على الدكتوراه عام 1952 من جامعة لندن، وظل لسنوات طويلة رئيسا لقسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة عين شمس، ثم وكيلا للكلية.
الدكتور راجي حليم مقار” 29 أغسطس 1922 – 27 ديسمبر 1997 “، والدكتور فؤاد رجب ” 6 يناير 1922 – 2000 “، كلاهما تخرج عام 1942 بقسم الرياضيات أيضا، وسافرا لنيل الدكتوراه من المملكة المتحدة، فحصل الدكتور فؤاد رجب على الدكتوراه عام 1951 من جلاسكو باسكتلندا تحت إشراف العالم الإنجليزي ” ماك روبرت ” ثم دكتوراه العلوم في الرياضيات ” دى اس سي ” عام 1954، وعمل “رجب ” بعد حصوله على الدكتوراه، في بداية حياته العملية بكلية العلوم جامعة عين شمس خلال الفترة من 1951 – 1957 ، ثم انتقل للتدريس بعلوم القاهرة ومنها إلى كلية الهندسة ليعمل أستاذا ورئيسا لقسم الرياضيات فيها، وأما الدكتور راجي حليم مقار، حصل على الدكتوراه في شهر ديسمبر 1947 من جامعة إدنبرة باسكتلندا تحت إشراف عالم الرياضيات العالمي ” أيتيكن ” وقد تولى رئاسة مجلس قسم الرياضيات البحتة في كلية العلوم جامعة عين شمس من 27 مايو 1959 وحتى 31 أكتوبر 1961 ، ثم مرة أخرى من 5 أغسطس 1964 وحتى 31 أغسطس 1982.
الدكتور عطية عبد السلام عاشور” 13 سبتمبر 1924- 17 أبريل 2017 “، حصل على البكالوريوس في الرياضيات ” الدرجة الخاصة ” مع مرتبة الشرف من جامعة فؤاد الأول عام 1944، والدكتوراه من الكلية الإمبراطورية بلندن عام 1948، ودرجة دكتوراه العلوم في الرياضيات ” دى اس سي ” من جامعة لندن عام 1967، وهو حائز على العديد من الجوائز المحلية والدولية، لعل أبرزها داخل مصر جائزة النيل ” مبارك سابقا ” في العلوم عام 2004 .
عام 1946 ، تخرج اثنان من كبار أساتذة الرياضيات القدامى في مصر، الدكتور إسحاق إبراهيم حنا، والدكتور كمال رياض يعقوب.
بالنسبة للدكتور إسحاق إبراهيم حنا، فهو من مواليد محافظة المنيا عام 1924 وتوفى في 13 مايو 2012، التحق بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول ” القاهرة حاليا ” ليتخصص في الرياضيات ويحصل منها على درجة البكالوريوس في الرياضيات بمرتبة الشرف عام 1946، وفور تخرجه، عمل مدرسا مساعدا بمدرسة المعلمين العليا من عام 1947 حتى عام 1950 ، وواصل دراسته العليا في قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة عين شمس، ليحصل على درجة الماجستير في الرياضيات التطبيقية عام 1954، سافر بعدها إلى المملكة المتحدة والتحق بجامعة لندن، ليحصل على درجة الدكتوراه في ميكانيكا الكم عام 1957.
وأما الدكتور كمال رياض يعقوب ” المولود في الأول من مايو 1926″ وحصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة فؤاد الأول عام 1946 بمرتبة الشرف الأولى، وبكالوريوس الرياضيات الخاصة من جامعة لندن بمرتبة الشرف الأولى أيضا، والماجستير من جامعة لندن عام 1951 في المعادلات التفاضلية ونظرية الزمر وقام بتحكيمها اثنان من العلماء الإنجليز ” ميلر” وهو أول من اخترع الحاسب الآلي عام 1946، وكوبسون وقد جاء في التقرير أن مستوى الرسالة يفوق مثيلها في جميع الجامعات البريطانية، فيما حصل الدكتور كمال رياض يعقوب على درجة الدكتوراه عام 1953 من جامعة لندن، وعمل ” يعقوب” بكلية العلوم جامعة عين شمس، عقب عودته من بعثته بانجلترا بعد حصوله على الدكتوراه وحتى وفاته منذ سنوات.
من بين الذين تخرجوا في قسم الرياضيات بعلوم القاهرة في أوائل الأربعينيات من القرن الماضين، الدكتور ماهر نصيف غبور مينا، سافر في بعثة بانجلترا، وعمل بقسم الرياضيات في كلية جامعة أسيوط، وصار رئيسا للقسم هناك، أيضا الدكتور محمد طلبة عويضة ” 1923 – 1999 “، تخرج هو الأخر في أربعينيات القرن الماضي بقسم الرياضيات وهوأول رئيس لجامعة الزقازيق، ومن قبلها رئيسا لجامعة القاهرة فرع الخرطوم.
الدكتور محمد علي حجاب بك، حصل على البكوية، وقام بتدريس الرياضيات في كلية العلوم بالجامعة المصرية منذ تأسيسها عام 1925 ، ثم انتقل للعمل بالمكتبة المركزية للجامعة المصرية ومنها إلى جامعة الإسكندرية عام 1942 ، وكان اسمها حينئذ جامعة فاروق الأول، فقام بتأسيس كلية العلوم بها وكان حريصا بنفسه على إنشاء قسم الرياضيات بها بالكلية الوليدة في جامعة فاروق الأول.
الدكتور محمد علي عمارة، من رواد ميكانيكا الموائع في مصر، وقد ولد عام 1891، وحصل على الدكتوراه من جامعة جرينوبل بفرنسا.
الدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن ” 5 يناير 1919 – 1 يناير 1998″ ، تخرج عام 1938 في قسم الفلك بالجامعة المصرية عام وهو قسم قريب الصلة بقسم الرياضيات، وحصل على الدكتوراه من جامعة إدنبرة بإنجلترا عام 1941، وهو أول رئيس لمعهد التخطيط التابع لوزارة التخطيط عام 1960 ، ثم وزيرا للتخطيط عام 1975.
سألنا الدكتور أحمد فؤاد غالب عن الأسباب التى دفعته للالتحاق بكلية العلوم والتخصص في الرياضيات التطبيقية تحديدا، فأجاب :
أنا كنت أول البكالوريا الفرنسية بمدرسة ليسيه الحرية في مصر الجديدة، عام 1961 بمجموع 83%، وكنت أرغب في دخول كلية الهندسة، ومجموعي كان يؤهلنى بالفعل للالتحاق بها، ولكن نظرا لكونى شعبة علوم في الثانوية، فقد أفادنى مكتب التنسيق حينها، أنه غير متاح لى الالتحاق بالهندسة رغم مجموعي الكبير، ولابد من اختيار كلية أخرى، فاخترت كلية العلوم على حساب الطب والصيدلة، رغم أن مجموعي كان يؤهلني لكليهما، ولما دخلت كلية العلوم بجامعة القاهرة، كانت لدي رغبة في التخصص في قسم الكيمياء، وكنت حاصلا على إمتياز في السنة الأولى في الكيمياء، وفكرت في الفيزياء بعض الشئ بسبب ” النووي ” وكان في اتجاه ناحيته خلال الستينيات ولكن في النهاية، قررت التخصص في الرياضيات وكان للأساتذة الذين درسوا لي مثل الدكتور عطية عاشور والدكتور محمد علي عمارة والدكتور أحمد حماد والدكتور مجدي جورجي أليكسان، دورا كبيرا في تغيير وجهتى من الكيمياء والفيزياء إلى الرياضيات، وهى رسالة مهمة لكل معلم أو أستاذ جامعي، فقد يكون سببا في إختيار الطالب لمصيره التعليمي، سواء بالسلب أو الإيجاب، فمن الوارد أن يكون الطالب محبا لمادة معينة، ولكن طريقة تدريس المعلم أو أستاذ الجامعة له، تجعله ينصرف عن حب هذه المادة، وقد يدرس الطالب المادة ولا يفكر في التخصص فيها في بداية الأمر، ولكن أسلوب المدرس وأستاذ الجامعة الشيق والممتع، يجعل الطالب يغير وجهته تجاه تلك المادة.
يضيف الدكتور أحمد فؤاد غالب: تخرجت في يوليو 1965 وحصلت على الماجستير عام 1968 ، والدكتوراه من روسيا عام 1976 في الرياضيات والفيزياء تحت إشراف العالم الروسي الكبير ليونيد سيدوف ” 14 نوفمبر 1907 – 5 سبتمبر 1999 ” .
** من هم أبرز زملائك خلال فترة دراستك بقسم الرياضيات في علوم القاهرة ؟
// الدكتور محمد إسماعيل محمد حسين ” الأستاذ المتفرغ بكلية هندسة شبرا ” وهو دفعتى بكلية العلوم جامعة القاهرة ” 1965 “، وسافرنا سويا لبعثة الدكتوراه بالاتحاد السوفيتى، وهناك أيضا من دفعات أخرى الدكتور عادل عطية مشرفة ” دفعة 1961 ” وهو أستاذ قدير وصديق عزيز، والدكتور مراد إسماعيل ” دفعة 1964 ” وهو أحد علماء العالم الكبار في الدوال الخاصة ويعمل بجامعة فلوريدا الوسطى، كذلك الدكتور أحمد رمزي سرور ” دفعة 1964 ” ويعمل حاليا أستاذا بجامعة فيكتوريا، ومن العلماء أيضا الذين تخرجوا بالقسم، ووصلوا لمستويات عالمية في الرياضيات، الدكتورعوض الله اسكندر، والدكتور بولس بسيط وهو في استراليا حاليا.
** ما الفرق بين خريج الثانوية العامة حاليا والخريج في الستينيات ؟
// بكل أمانة وبدون تحيز، خريج الثانوية العام في الستينيات كان طالب ” متين جدا ” مؤهل للدراسة الجامعية والتخصص في أحد فروع العلم بكفاءة، أما الآن فالوضع مختلف، والأمور في تراجع بسبب المشاكل الاجتماعية ومشاكل في التعليم وكثافة الفصول، هذا لايمنع وجود طلاب نوابغ لا يقلون كفاءة عن طلبة الستينيات ولكنهم قليلون، وبالنسبة للأجيال الحالية بقسم الرياضيات في علوم القاهرة، يوجد فيهم نجوم مبشرة بالخير وعلى مستوى عال من العلم مثل ” الدكتورة زينب منصور ” المتخصصة في التحليل الدالي، و” الدكتور أحمد الجندي ” المتخصص في نظرية الأعداد، و” الدكتور طارق سيد أحمد ” المتخصص في المنطق الرياضي.
** وكيف كان اتجاه البعثات في تلك الفترة بعد التخرج؟
// في بداية الأمر كانت البعثات موجهة ناحية أوروبا، فعلى سبيل المثال، تقدم كل من الدكتور محمد عامروالدكتور مراد إسماعيل بطلب منحة ونالها كل منهما بالفعل وسافرا للخارج، وبعد ذلك حدث توجه ناحية المعسكر الشرقي بسبب الاتفاقيات بين مصر ودول هذا المعسكر مثل الاتحاد السوفيتي والمجر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، أنا شخصيا سافرت للاتحاد السوفيتي ونلت درجة الدكتوراه في الميكانيكا من هناك تحت إشراف العالم الروسي ” ليونيد سيدوف / 14 نوفمبر1907 – 5 سبتمبر 1999 “، ولدينا في القسم الدكتور محمد أسعد، حصل على الدكتوراه من المجر وكذلك درجة دكتوراه العلوم في الرياضيات ” دى اس سي ” من هناك أيضا وهو من العلماء المتميزين للغاية في تخصصه، في الوقت نفسه الدكتور عيد ضحا، على مستوى مرتفع جدا في التحليل العددي، حصل على الدكتوراه من انجلترا، ومعه أيضا دكتوراه العلوم في الرياضيات ” دى اس سي “.
** هل للبعثات العلمية لروسيا في الستينيات والسبعينيات دورا في تغيير وجهة المناهج والمقررات الدراسية بقسم الرياضيات في علوم القاهرة؟
// ربما حدث ذلك بالفعل ، ودعنى أقول أن الدكتور بشرى مقار وهو الشقيق الأصغر للدكتور راجي حليم مقار، تخرج في علوم القاهرة عام 1947 وقد قام بالتدريس لي في السنة الأولى وفي السنة الرابعة ” البكالوريوس ” وما بينهما كان قد سافر في منحة لجامعة موسكو الحكومية وهى حصن الرياضيات العالمي، وعاد من هناك بمقرر التحليل الدالي وتدريسه لنا في الفرقة الرابعة، لأول مرة بالجامعات المصرية، هذا في حد ذاته إضافة متميزة.
الدكتور عطية عاشور، كان من المجددين، فقد أدخل مسائل الشروط الحدية باستخدام المعادلات التكاملية، والدكتور رؤوف حليم دوس، كان رئيسا لقسم الرياضيات بعلوم القاهرة في منتصف الستينيات، وتعليمه فرنسي، وقد أعطى صلاحيات للدكتور أديب عبد الله بعد عودته من بعثته في ألمانيا في أوائل الستينيات، بتجديد مقررات الجبر والجبر الخطي والتوبولوجي، ومن ثم فكلاهما ” دوس وأديب ” من المجددين أيضا، ونفس الشي ينطبق على كل من الدكتور محمد عامر، فقد أدخل تحديثا على مقررات المنطق الرياضي بالكلية.
** بماذا تفسر تراجع الإقبال على أقسام الرياضيات بالجامعات المصرية؟
// حيث أن الرياضيات هى لغة الدقة لوصف بعض الظواهر الموجودة في الحياة، وهى تتعامل مع مصطلحات ونظريات ونتائج وبراهين، فيجدها الطالب جافة، ويهرب منها وللسياسات التعليمية وتكدس الفصول والمشاكل الاجتماعية دورا أيضا لهذه الحالة التى وصل إليها الطالب، الذي يريد كل شئ سهلا، دون أن يبلغ الدقة ويحققها، ودعنى أقول أن مشكلة العزوف عن الرياضيات أصبحت موجودة في دول كثيرة من العالم، والدكتور بولس بسيط وهو أستاذ للرياضيات في استراليا، أبلغنى أن القسم الذي يعمل به قد تم غلقه، وبالتالي نحن سوف نعاني لفترات من هذه المشكلة، يتبقى فقط علينا دورا بالغ الأهمية، وهوالبحث عن المتميزين وتشجيعهم للتخصص في الرياضيات والوقوف بجانبهم.
في الوقت نفسه، أكد عالم الرياضيات الكبير، الدكتور أحمد فؤاد غالب ، إن كليتى العلوم والآداب هما جناحا الفكر في الأمم المتقدمة، ونجاح وتنمية تلك الأمم لا يتحقق إلا بعقول الدارسين في تلك الكليات، هذا لا يقلل أبدا من أهمية الكليات الأخرى وجميعها كليات عظيمة، ولكنها كليات لتطبيق المفاهيم.
وبسؤاله أخيرا عن رأيه في الدور الذي تقوم به جمعية الرياضيات المصرية بشكل عام ورابطة المرأة المصرية في الرياضيات بشكل خاص، فأجاب قائلا: ( جمعية الرياضيات المصرية تقوم بدور متميز ، والنشر العلمي في مجلة الجمعية حدث فيه تطور كبير، وقيام مجلس إدارة الجمعية برئاسة الصديق العزيز الدكتور فايد غالب بزيارة أقسام الرياضيات في الجامعات المصرية أمر جيد، لأنه يخلق التواصل بين الجمعية وتلك الأقسام، وأطلب منهم شيئين، أولهما تخفيض رسوم النشر في مجلة الجمعية، حتى يقدر عليها شباب الباحثين، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها هؤلاء الشباب، والمطلب الثانى، هو زيادة الأنشطة العلمية ومؤتمرات وندوات اليوم الواحد مثلما كان يحدث في أوقات كثيرة مضت.
ووجه الدكتور ” أحمد فؤاد غالب ” الشكر لرئيس مجلس إدارة الجمعية السابق، الدكتور عبد الشافي عبادة، وزملاء أخرون شاركوا بمجهودات متميزة في الأنشطة الإجتماعية والعلمية، ذكر منهم الدكتور محمد عاطف هلال، والدكتور محمد أسعد، والدكتور عيد ضحا.
وبالنسبة لرابطة المرأة المصرية في الرياضيات، قال غالب: أتصور أن دورها مهما برئاسة الدكتورة زينب منصور، وأساتذة الرياضيات من النساء بشكل عام، لدورهم ملحوظ وبارز، وأذكر هنا على سبيل المثال المرحومة الدكتورة سلوى دوس، فقد كانت من أفضل خريجي قسم الرياضيات بعلوم القاهرة طوال تاريخه، وقد هاجرت إلى فرنسا وتوفيت هناك، وبالطبع توجد نماذج أخرى مشرفة وعظيمة من السيدات بأقسام الرياضيات في الجامعات المصرية سواء من توفى منهن أومن هم على قيد الحياة.
وتبقى كلمة في نهاية الحديث، الحوار مع عالم الرياضيات الكبير الدكتور أحمد فؤاد غالب له مذاق خاص، نادرا ما تجده مع علماء أخرين، فهو طوال الحوار يتحث عن الأخرين وعن عظمتهم ولا يتحدث عن نفسه، يتحدث عن ما وصفهم بالعظماء، ليس في علوم القاهرة التى تخرج فيها ولا يزال يلقي المحاضرات بها ” متعه الله بالصحة والعافية ” فحسب، وإنما في بقية الكليات أيضا، في علوم عين شمس وعلوم الإسكندرية وعلوم أسيوط، وفي مراحل زمنية مختلفة في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وما بعدها، ولا يقتصر حديثه عن مواقف وذكريات، بل يتخطى ذلك لمرحلة التوثيق، توثيق المعلومة وتوثيق الحدث وتوثيق الزمان والمكان وتوثيق الصورة، لاسيما وأن قسم الرياضيات بعلوم القاهرة يحتفل العام بعد القادم 2025 بمئوية القسم الذي تأسس عام 1925.